الجن تحت المجهر
بسم
الله الرحن الرحيم
المقدمة:
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، أما بعد ..
فهذا
موضوع عن عالم الجان ، جمعت فيه ما جاء عن الجان وعالمهم وخلق الله لهم وما وصفهم به
ومن اهتدى منهم ومن ضل سواء السبيل ، ومن حذرنا الله من غوايته وعداوته لنا ألا وهو
الشيطان الرجيم الذي ينصب حبائله فلا يصطاد بها إلا الغاوين الذين مآلهم معه إلى العذاب
الذي لا ينقضي في طبقات جهنم ودركاتها . جمعت فيه ما جاء في ذلك في القرآن والسنة ،
متحرياً فيه الثابت الصحيح ، إضافة إلى بعض المراجع التي بين يدي وبعض المراجع عن طريق
الشبكة العنكبوتية ، وللأمانة العلمية ذكرت المصادر في نهاية هذا البحث .
ثم
اعلم أخي القارئ أن هذا الموضوع قابل للشحن بالغث والسمين ، والإثارة والتهويل ، ولو
انجرفت خلف ما وقع تحت يدي من مراجع لخرجت بكتاب تعجز عن حمله الأيدي ، لكن للأسف الشديد
أغلب ماكتب فيها لا يستند إلى دليل صحيح من كتاب أو سنة . فتحاشيت كثيراً من المواضيع
حتى خرجت بهذا البحث المتواضع . هادفاً من وراء ذلك أن ننال عفو الله وغفرانه بإيضاحنا
لأبناء جيلنا من المسلمين والمؤمنين أحوال هذا العالم الغيبي ، والحذر منه ومن اتباعه
، وتجنب أذاه وشروره .
نفعني
وإياكم بما علَّمنا وهداني وإياكم لما فيه خير دنيانا وآخرتنا وغفر لنا ولكم ولوالدينا
ووالديكم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنه سميع
قريب مجيب الدعوات .
وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الجن
في لغة العرب :
قال
أبو عمر بن عبد البر : الجن عند أهل الكلام والعلم باللسان منزلون علي مراتب :فإذا
ذكروا الجن خالصا –
يعني بصفة عامة- قالوا: جني .. فان أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس قالوا: عامر والجمع
: عمار وعوامر..فان كان ممن يعرض للصبيان قالوا :أرواح .. فان خبث وتعزم فهو شيطان
.. فان زاد علي ذلك فهو :مارد .. فان زاد علي ذلك وقوي أمره قالوا : عفريت والجمع
:عفاريت والله اعلم بالصواب .
تعريف
الجن :
الجن
في نظر المسلمين أجسام هوائية أو نارية ، عاقلة خفية ، تتشكل بأشكال مختلفة ، ولها
قدرة على الأعمال الشاقة . ( دائرة المعارف الإسلامية (.
تعريف
آخر :
الجن
نوع من المخلوقات ذات أجسام وأرواح ، وهي عاقلة مدركة مريدة مكلفة على نحو ما عليه
الإنسان ، خلقوا من مادة أصلها مارج النار وهو خالصه وأحسنه ، وطبيعة خلقتهم لها ماهية
لا يعلم كنهها وكيفيتها إلا الله ، مستترون عن الحواس في أصل خلقتهم ، لا يُرون على
طبيعتهم ولا بصورتهم الحقيقية ، ولهم قدرة على التمثل وعلى التشكل ، يأكلون ويشربون
ويتناكحون ويتناسلون وهم محاسبون على أعمالهم في الآخرة وأجسام الجن قد تكون كثيفة
وقد تكون رقيقة وهذا الذي عليه أهل السنة والجماعة ، ولعالم الجن ناموسهم أي قانونهم
ونظامهم الذي يعيشون ويموتون ويتنقلون بموجبه .
( الشيخ أبو البراء
) .
لماذا
سميت الجن بهذا الاسم ؟
كلمة
الجن مشتقة من جن الشيء أي ستره ، وكل شيء ستر عنك فقد جن عنك ، وجن عليه الليل أي
ستره الظلام ، والجنين هو الطفل في بطن أمه ، لأنه مستور عن الرؤية ، والجنان هو القلب
الذي يستره فلا يراه أحد ، والجنون هو ستر العقل أي ذهب عقله واختفى ، والجن نوع من
العوالم ، وسموا بذلك لاجتنابهم أي اختفائهم عن الأبصار ، لذلك نحن لا نراهم ، قال
تعالى : " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم " .
هل
فعلاً الجن موجودون أم أنه خرافة لا أساس لها ؟
أثبت
القرآن الكريم في مواضع متعددة وجود عالم الجن، فوجب الإيمان بوجود الجن إيماناً جازماً.
قال
الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ
مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (الذاريات: 56-57. (
وقال
تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ)) الرحمن(33.
وقال
تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ
مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ
مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ
* يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ
وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الأحقاف: 29-31. (
الواجب
علينا أن نؤمن بالجن بأنهم عالم حقيقي ليس وهمياً تخيلياً ولا نفساً بشرية شريرة،وليس
هو من البشرية الخبيثة، ولا من نوع الجراثيم الميكروبية الضارة، فإن جميع هذه الأوهام
والأفهام حَوْل الجن هي تحريف لكلام الله عن معانيه المرادة منه، وصرف له عن الوجه
المخبَر عنه إلى وجه آخر هو في معزل عنه، وإنما الجن عالم غيبي حقيقي الوجود له شأنه
وأحكامه.
هل
يختلف عالم الجن عن عالم الملائكة والإنس ؟
عالم
الجن يختلف اختلافا كليا عن عالم الملائكـة و الإنسان ، فكل له مادتـه التي خلـق منها
، وصفاته التي يختلف بها عن الآخر، إلا أن عالم الجن يرتبط مع عالم الإنس من حيـث صفـة
الإدراك وصفة العقل والقدرة علـى اختيار طريق الخير والشر. وأبو الجن هو إبليس كما
أن أبو الإنسان آدم عليـه السلام . أما طبيعـة خلقتهم فقد أخبرنا الله عز وجل عنهم
أنه خلقهم من نار، كما قال تعالـى (والجـان خلقناهـم من قبل من نار السموم ) وقوله
عز وجل ( وخلق الجان من ما رج من نار) . وقد
فسر أهل العلم من السلف الصالح قوله ( مارج من نار) هـو طرف اللهب ومنهــم ابن
عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغيره ، وقال النـووي " المارج اللهب المختلط
بسواد النار " . أما الإنسان فقد خلق من طين كما أخبرنا عـز وجل بقولـه ( قـال
مـا منعك ألا تسـجد إذ أمـرتك قـال أنا خيـر منـه خلقتـني مـن نـار وخلقـته من طين)
وفـي قـوله سبحانه (فاستفتهم أهم أشـد خلقـاً أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب
) وكذلك كما ورد فـي الحديث الذي أخرجـه مسـلم عـن عائشة ، عن النبي صلي الله عليه
وسلم قـال : " خلقـت الملائكة من نـور، وخلـق الجان من مارج من نار، وخلق أدم
مما وصف لكم ". وقد خلـق الجان قبـل الإنسان وسكن الأرض قبله ، بدليـل قـول الله
عـز وجل( ولقد خلقنـا الإنسان مـن حمـأ مسنون
*والجان خلقناه من قبل من نار السموم .
من
خُلِقَ أولاً الجن أم الأنس ؟
الجن
مخلوقون قبل الإنسان:
قال
الله تعالى: " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
* وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ" ( الحجر:
26-27) .
قال
تعالى: " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ
كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا
" (الكهف: 50.
ففي
أمر سجود إبليس - الذي هو من الجن - لآدم عليه السلام دلالة واضحة على أن الجن مخلوقون
قبل آدم وهو الإنسان الأول .
هل
الجن مكلفون ؟
نعم
الجن مكلفون كسائر خلق الله ولذلك فمنهم المؤمن ومنهم غير المؤمن ومنهم الطائع ومنهم
العاصي وقد بين ذلك سبحانه وتعالى على لسانهم : " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون
" . وقد جاء على لسانهم أيضاً : " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق
قدداً " . وقد جاء صريحا بتكليف الله لهم في قوله تعالى : " وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون " . فهذه الآيات فيها دليل على أن الجن مكلفون كالإنس ومخاطبون
كالإنس ، بل وهناك من الآيات مايشير إلى أن لهم رسلاً منهم كالإنس تماماً بتمام . قال
تعالى : " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم
لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم
كافرين " . الأنعام : 130 .
هذا
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل إلى الجن كما أرسل إلى الإنس ، فمنهم
من سمع القرآن فآمن به ، فقال تعالى : " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا
إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً " . ويحدثنا
عبدالله بن عباس –
رضي الله عنهما –
عن سبب نزول هذه الآيات فيقول رضي الله عنه " انطلق النبي صلى اللهم عليه وسلم
في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت
عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم فقالوا حيل بيننا وبين خبر السماء
وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق
الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف أولئك الذين
توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى اللهم عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو
يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم
وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم وقالوا يا قومنا ( إنا سمعنا قرآنا عجبا
يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) فأنزل الله على نبيه صلى اللهم عليه
وسلم ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) وإنما أوحي إليه قول الجن " . رواه
البخاري .
إلى
غير ذلك من الأحاديث والآيات التي تدل على أن الجن مكلفون كما الإنس تماماً .
أنواع
الجن وأصنافهم ؟
وينقسم
الجن إلى ثلاثة أصناف كما صنفهـم لـنا رسـول الله صلي الله عليه وسلـم قال :
"الجن ثلاثة أصناف ، فصنف يطير فـي الهواء ، وصنـف حيـات وكـلاب، وصنف يحلون ويضعنون
" رواه الطبراني ، والحاكم ، والبيهقـي بإسناد صحيـح.
وقد
أمـرت الجن وكلفت كـما كلف الإنسان ، فـهم مأمورون بالتوحيد و الإيمـان والطاعة والـعبادة
، وعـدم المعصيـة والبـعد عن الظلـم وعدم تعـي حدود الله ، فمسلمهم مسلم، ومؤمنهم مؤمن،
وكافرهم كافـر ، والمطيـع منهـم لله ورسولـه، يدخل الجنة ومن أبى دخل النار سواء بسواء،
مثلهم مثل الإنسان والدليـل من قولـه عز وجل" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
". إذا هم خلـق من خلـق الله ومـن ينكرهم
فإنه يكفر للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة . وقد وجـد مـن ينكرهـم قديمـا وحديثا
. ولا يضيرنا ذلك منهم . والذي يهمنا أنـهم حقيقة لاشـك فيهـا ولا مريـة لمـا سيترتب
علـى مـا سوف نسرد مـن أخبارهم وأحوالهـم، وربنا وربهم الله .
هل
الجن يأكلون ويشربون ؟
نعم
إن الجن يأكلون ويشربون فعن أبي هريرة –
رضي الله عنه –
" أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ مَنْ
هَذَا فَقَالَ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا
وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلا بِرَوْثَةٍ فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي
طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا
فَرَغَ مَشَيْتُ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ قَالَ هُمَا مِنْ طَعَامِ
الْجِنِّ وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَنِعْمَ الْجِنُّ فَسَأَلُونِي
الزَّادَ فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ
إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا " . رواه البخاري .
وروى
مسلم من حديث عبدالله بن عمران –
رضي الله عنه –
قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ
بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ
بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ " .
وفي
صحيح مسلم أيضاً عن جابر بن عبدالله –
رضي الله عنه –
قال إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ
فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لَا مَبِيتَ
لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ
الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ
قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ " .
هل
يأكل الشيطان مع بني آدم، وكيف؟
نعم
قد يشارك الشيطان بني آدم في طعامهم وشرابهم وأموالهم ونكاحهم إذا لم يذكروا اسم الله
عز وجل، فإن ذكروا اسم الله عز وجل فقالوا: بسم الله، فان الشيطان لا يستطيع أن يشاركهم
في شيء .
وهذه
قصة وقعت في عهد الرسول عليه السلام تدل على ذلك :
روى
مسلم في صحيحه عن حذيفة –
رضي الله عنه –
قال : كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا
لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَيَضَعَ يَدَهُ وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ
كَأَنَّهَا تُدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا
يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ
بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا " .
وقد
ورد أن الذي ينسى التسمية في أول الطعام يقول (بسم الله أوله وآخره) فان الشيطان يقيء
ما أكل. كما روى ذلك أبو داود .
أيـن
يعيـش الجـن وأيـن يسكـن ؟
الجن
لهم حياتهم ومعاشهم و أكلهم وشربهم ،ولهم أماكن يسكنـون فيها أو مختصة بهم، وقد يشاركوننا
في بعض الأماكن . فهم يسكنون في الأحراش والخرابات وبيوت الخلاء ، وفي مواضع النجاسات
والمقابر. وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ، )يأوي إلى كثير من هذه الأماكن التي هـي
مأوى الشياطين، الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين، ويتواجدون في أماكن اللهو وفي الأسواق
حيث يكثر تواجدهم لإضلال الناس وإفسادهم،و قد أوصى الرسول صلي الله عليه وسلم أحد أصحابه
قائلا :"لا تكونن إن استطعت أول من تدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فأنها
معركة الشيطـان ، وبها ينصب رايته " رواه مسلم في صحيحه. (
فالجن
أيضا تعيش في منازلنا ومعنا ولكن لا نراهم ، وقد يأكلون معنا ويشربون معنـا من حيث
لا نراهم لاستتارهم عنا، لقوله عز وجل " إنه يراكم هـو و قبيله من حيـث لا ترونهم
" . إلا أنه قد يتشكل في بعض الأحيان، وهذا ما سنتطرق إليه في حينه فـي قصته مـع
أبي هريرة رضي الله تعالي عنه، وكي لا يشكل هذا الأمر علـى البعض فأحيانا نذكر الجن
و أحيانا أخرى نذكر الشيطان فما هي العلاقة بينهما ؟
هل
الشيطان أصله من الجن ؟
كما
تقدم فقد ذكرنا أن الشيطان أبو الجن كما أن آدم أبو الإنس ، والظاهر مـن سياق القرآن
أن الشيطان من الجن كما في قول الله عز وجل" و إذ قلنا للملائكـة اسجـدوا لآدم
فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم
لكم عدو بئس للظالمين بدلا ". فهذا دليـل واضح جلـي بـأن الشيطـان أو إبليس كان
من الجن ، فبفسقه وعدم تنفيـذه أوامر الله وغروره، كـان سببـاً فـي أبلسة الله له،
كما أن شيطنتـه أبعدته مـن رحمة الله، فأختلف الناس في ذلك فمنهم من قال بهذا ومنهم
مـن قال بغيره . وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ، في مجمـوع الفتـاوى ج/4 235ص346 (أنه
يذهب بالقول بأن الشيطان أصل الجن كما أن آدم أبو الإنس).
ما
الفرق بين الجن والشيطان ؟
الجن
منهم المؤمن ومنهم الكافر ، وأما الشياطين فجميعهم كفار والشيطان هو كل متمرد من الجن
والإنس .
تشكل
الجن أو الشيطان :
إن
من رحمة الله سبحانه و تعالى بخلقه من الإنس ، أن جعل الشيطان و حزبه مـن المردة و
العفاريت و غيرهم فيما يدخل في مضمون الجن ،غير مرئيين لهـم، لأنـه سبحانه و تعالى
يعلم بأن أشكالهم قبيحة ، و قد تكون أعيـن البشـر و عقولهــم لا تستوعب البشاعة التي
خلق عليها الشياطين . و قد ذكر الله لنا ذلك في محكم التنـزيل واصفا قبح الشيطان بأن
شبه لنا شجرة الزقوم التي تنبت من أصـل الجحيـم برؤوس الشياطين لما علم من قبح صورهم
و أشكالهم ، فقال عز و جل( إنها شجرة تخـرج في أصل الجحيم* طلعها كأنه رؤوس الشياطين
) .و قد ذكر لنا النبي صلى الله عليه و سلم " أن للشيطان قرون و أن الشمس تخرج
بين قرني شيطان " و فـي البخـاري و مسلم قوله صلى الله عليه و سلم "إذا طلع
حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ، و لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس و لاغروبها، فإنها
تطلع بين قرني شيطان ". ومن هذا كله يتبين لنا أن منظر الشيطان أو الجن أو إبليس
بشع لنا كبشر للنظر إليه، و لا يستطيع إنسان كائن من كان من دون الرسل و الأنبياء ،
أن يرى الشيطان على حقيقة خلقته التي خلقه الله عليها كما يدعي البعض من الناس الجهلة
و ذلك لقوله عز وجل )إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم(. أما الأنبياء و الرسل
فالله يريهم ما يريد و ما يشاء . و لكن الشيطان
أو الجن يستطيع أن يتحول من خاصيته التي خلقـه الله عليها إلي خاصية أخرى كأن يكون
في صورة كلب أو حية أو عقـرب أو صـورة إنسان أو ما إلى ذلك . كما حدث في عهد النبـي
صلـى الله عليـه وسلـم، إذ رأى الشيطان في أكثر من موضع و بصور لأشخاص معروفين و أشخاص
غير معروفين و قد حدث أن كان رسول الله صلى الله عليـه و سلـم يحـدث أصحـابه فيدخـل
عليهم رجل غريب ، نتن الريحة ، قبيح المنظر، مقطـع الثيـاب فيخبرهـم النبـي صلى الله
عليه و سلم أنه الشيطان جاء يشككهم في أمر دينهم . و إليك أخي القارئ هذه القصة الطريفة
التي جرت مع أبى هريرة رضي الله عنه و رواها البخاري ، عن أبي هريرة –
رضي الله عنه –
قال : " وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ
زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ
وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَالَ فَخَلَّيْتُ
عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا
حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ أَمَا إِنَّهُ
قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ سَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو
مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لا
أَعُودُ فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ قُلْتُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ
سَبِيلَهُ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ
فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ
قَالَ دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ
إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ( اللَّهُ لا إِلَهَ
إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ
عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَخَلَّيْتُ
سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي
كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ مَا هِيَ قُلْتُ
قَالَ لِي إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا
حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ
لِي لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى
تُصْبِحَ وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ
مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لا قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ
" . رواه البخاري .
قال
شيخ الإسلام ابن تيميه : الجن يتصورون في صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير
وفي صور بني أدم .
هل
لكل إنسان قرين من الجن ؟
أخرج
أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا : وإياك يا رسول الله
قال : وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير " .
أحب
الفتن إلى الشيطان :
عن
جابر –
رضي الله عنه –
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث
سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت
شيئا قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول
نعم أنت قال الأعمش أُرَاه قال فيلتزمه " . رواه مسلم .
فالواضح
من الحديث أن الطلاق من أحب الفتن للشيطان .
هل
الجن يموتون ؟
نعم
، إن الجن يموتون كالإنس تماماً والدليل على ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه حينما
قتل الصحابي الثعبان أو الحية التي كانت في داره وقتلوا الجن . والدليل الثاني عن ابن
عباس - رضي الله عنه –
قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا
أنت الذي لا يموت والجن والإنس يموتون " . رواه البخاري .
هل
كفار الجن سيعذبون في النار ؟
قال
القاضي بدر الدين أبو عبدالله الشبلي الحنفي : " اتفق العلماء على أن كافر الجن
سيعذب في الآخرة كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز ، قال تعالى : " (قال النار
مثواكم خالدين فيها إلا ماشاء الله " ( الأنعام : 128 ) . وقوله تعالى :
" (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً " ( الجن : 15 . ومن الأدلة أيضاً على
ذلك : قوله تعالى :( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ
(الأعراف: 179.
وقوله
تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ) (هود: 119)
وقوله
تعالى :(وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (السجدة: 13)
وقوله
تعالى : " ( قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما
دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا ادَّاركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء
أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون " ( الأعراف
: 38 ) . فمما سبق يتضح أن كافر الجن سيعذب في النار .
كيف
يعذب الجن بالنار مع أنهم خلقوا منها ؟
أصل
خلقهم، وأساس مادتهم النار لقوله تعالى " والجان خلقناه من قبل من نار السموم"
وقوله "وخلق الجان من مارج من نار". وهذا لا يعني بالضرورة أنهم الآن نار،
و إنما يعني أن أصلهم كان ناراً كما أن أصل الإنسان كان طيناً ، فان هذا لا يعني أن
الإنسان الآن طيناً ، ولو أن إنساناً وقع عليه تراباً كثيراً أو هدم عليه بيت من التراب
لهلك، ومات أو استغاث من الآلام والأوجاع، وهكذا الجن خلقوا من نار ولكنهم ليسوا ناراً
بل أنشأهم الله تعالى وطورهم وصورهم، وإن النار تؤلمهم وتحرقهم وتعذبهم .
وقد
قال صلى الله عليه وسلم : "عرض لي الشيطان في صلاتي فخنقته فوجدت برد ريقه على
يدي " وهذا يعني أن جسم الجني الآن قد تحول بإذن الله إلى مادة أخرى غير النار
كما تحول الإنسان إلى لحم ودم وعظم وعصب، وإن كان أصله طيناً.
هل
مؤمن الجن سيدخل الجنة ؟
قال
القاضي بدرا لدين أبو عبدالله الشبلي الحنفي : " اختلف العلماء في مؤمني الجن
، هل يدخلون الجنة على أ ربعة أقوال " . ولعل أرجحها القول الأول ، والذي عليه
جمهور العلماء وهو : أنهم يدخلون الجنة .
قال
الله تعالى إخباراً عن الجن : ( وَأَنَّا لَمَّا
سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا
رَهَقًا) (الجن: 13)
والمعنى
من آمن بربه فلا يخاف نقصان الثواب، ولا الزيادة في العقوبة وهذا نظير قوله تعالى
: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا) (طه: 112)
وقال
تعالى : ( فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
(الرحمن: 56-57.
وقال
تعالى: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ
* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ
وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(الرحمن: 72 –
75)
وهذا
مما يشير إلى أن مؤمني الجن في الجنة.
هل
الجن يتناكحون ويتناسلون ؟
الجن
يتناكحون ويتوالدون .. وقد قال الله تعالى: " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان
" ، والطمث: الجماع. و أما التوالد فقد قال الله تعالى: " أفتتخذونه وذريته
أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً " والذرية هم الولد والأهل .
هل
يستطيع الجن أن يجامع الإنس ، وهل هذا الجماع ينتج عنه فض لغشاء البكارة وحمل وإنجاب؟
يقول
الشيخ عبد الخالق العطار عالم الجن الذي نتكلم عنه هو الموصوف بأنه جسم دقيق رقيق لطيف
وهذا النوع هو الذي يدخل بأذن الله جسم الإنسان ويقترن به والنكاح بين هذا النوع من
الجن وبين الإنس يتم بطريق الإثارة والتهيج من الجن إلى الإنس في موضع الإثارة العظمى
بفرج الإنسي ذكرا أو أنثى وأطمئن بناتي من بني الإنس أن هذا النكاح لا يترتب عليه هتك
غشاء البكارة ولا ينجم عنه حمل لأنه لا يعدو إثارة وتهيج في موضع العفة للفتاة الإنسية
حتى تفرز وتقذف ماءها هي لا ماء الجني الذي أثارها وهيجها حتى أمنت أي من الإمناء وهذا
العمل شبيه بالاستمناء والسحاق وهو المشهور بالعادة السرية وكذلك إذا اقترنت الجنية
الأنثى برجل من الإنس فإن النكاح بينهما في صورة إثارة واحتكاك في موضع الإثارة مناما
فيستيقظ الرجل بعد أن يكون قد أمنى ، وهو مثل الاحتلام بالضبط ، لكن إذا تجسم وتجسد
الجني أي تحول إلى جسم مادي فأنه يصير مثل الإنسان تماما لأنه تحكمه الصورة ، وفي هذه
الحالة يصير الجني ذكرا كان أو أنثى مثل الإنسي تماما ويحدث بينه وبين الإنسان التناكح
والتلاقح والتناسل والذرية وفي هذه الحالة تأخذ شكل وصفات وخصائص الإنسان الكامل أ
هـ
يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى :
وصرعهم
للإنس قد يكون عن شهوة وعشق كما يتفق للإنس مع الإنس وقد يتناكح الإنس والجن ويولد
بينهما ولد وهذا كثير معروف وقد ذكر العلماء ذلك وتكلموا عليه وقد كره أكثر العلماء
مناكحة الجن أهـ
تنبيه
قد يثير الشيطان الشهوة عند المرأة حتى أنها تهتك بكارتها بإصبعها أو بأي آلة أخرى .
مناكحة
الجن للإنس على أربعة أشكال :
1- الاحتلام وهذا لا يكون إلا في المنام وهو معلوم يوجب الغسل بسبب
الإنزال .
2- الاستمتاع المنامي يستمتع الجان بالإنسان في المنام بغير شعور الإنسان
ولا يكون معه إنزال بكيفية يعلمها الله .
3- المعاشرة الخفية وهي أن يشعر الإنسان بمن يجامعه وهو في كامل وعيه
ولا يستطيع رده .
4- التشكل يتشكل الجان على صورة إنسان وتكون المعاشرة طبيعية كما هو
حاصل بين الإنس ، وهذا التناكح على هذه الكيفية هو الذي يحصل فيه هتك لغشاء البكارة
، وقد حصل فيه حمل وإنجاب . والله تعالى أعلم .
هل
الجن يُرون بالعين ؟
1- الراجح من أقوال أهل العلم هو عدم إمكانية رؤية الجن على خلقتهم
التي خلقوا عليها
2- يمكن رؤيتهم إذا تمثلوا وتحولوا على صور شتى كالإنسان والحيوان
ونحوه ، ومن قال بمثل ذلك فلا يقدح به أو بقوله ، وقد ثبت ذلك في كتاب الله عز وجل
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
يقول
الحق جل وعلا في محكم كتابه : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ
لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ
الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِنْكُمْ إِنِّى أَرَى
مَا لا تَرَوْنَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( سورة الأنفال
–
الآية 48)
وقد
بين الإمام البغوي - رحمه الله - ذلك في تفسيره بقوله : ( وكان تزيينه أن قريشا لما
اجتمعت للسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب ، فكاد ذلك أن يثنيهم فجاء إبليس
في جند الشياطين معه رايته ، فتبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ) ( تفسير البغوي
–
3 / 366 )
وقصة
أبو هريرة - رضي الله عنه - مع الشيطان الذي جاء يحثو من ثمار الصدقة دليل وشاهد على
ذلك أيضا
3- إن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك ممكنا للأنبياء والرسل ، وادعاء
غير ذلك لا يستند إلى دليل شرعي وهو قول بغير علم
وبالعودة
لأهل الدراية والخبرة والمتخصصين في مجال الرقية الشرعية وعالم الجن والشياطين لم يرد
التواتر لديهم بأن الناس قد رأوا الجن بعد تمثلهم على خلقة واحدة ، فكل أعطى وصفا مختلفا
عمن سواه ، والحقيقة الشاهدة أن أجسام الجن والشياطين أجسام مخلوقة من مادة لا يعلم
كيفيتها وكنهها إلا الله وهي أجسام لطيفة ليس بمقدور الإنسان أن يراها على حقيقتها
بسبب أنها خارجة عن نطاق إدراكه وتصوره ، والأساس في هذه المسألة الاعتقادية هو العودة
للكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح وأقوال أهل العلم .
كما
أنه قد شاع في الآونة الأخيرة بين الناس انتشار صورة يدعى بأنها صورة جني ، وقد سئل
بذلك فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين على النحو التالي :
يتداول
الناس في هذه الأيام صورة يشاع أنها التقطت ( لجني ) وهو في داخل جبل القارة بالأحساء
، وأن صاحبها قد مات بعد أن التقط تلك الصورة ، علما أن هذه الصورة قد انتشرت حتى في
المدارس بنين وبنات وبشكل ملفت ، وأصبحت حديث المجالس 000 لذا نرجو من فضيلتكم التكرم
وبيان الحكم في ذلك ، وهل يمكن تصوير الجن على هيئاتهم الحقيقية التي خلقها الله ؟
فأجاب
–حفظه
الله- : ( وبعد فمن المعلوم أن الجن أرواح بلا أجساد ولا يتمكن الإنس من رؤيتهم على
هيأتهم وخلقتهم الروحية ولا يقدر أحد أن يرى الأرواح فالملائكة لا يراهم البشر وهم
على خلقتهم الأصلية ، وكذا الشياطين لا نراهم مع قربهم منا وكذلك الجن فإنهم سموا بذلك
لكونهم يجتنون عن النظر أي يختفون ، كأنهم في ظلمة ، فالظلمة تسمى " جنة
" قال تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ) أي أظلم ويسمى البستان كثير
الأشجار جنة لأنه يستر من دخلها ويختفي بأشجارها ، قال تعالى : ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ
هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) والمراد بقبيله من على شاكلته كالجن
، كما أن روح الإنسان عند خروجها لا يراها الحاضرون بل لا يعرفون كنهها وكيفيتها كما
قال تعالى : ( قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا
قَلِيلا ) فعليه نقول أن هذه الصورة خيالية منقوشة على الخيال أو صورة لشخص في حالة
قبيحة فلا يغتر بها ، وعلى من وجدها أن يتلفها للأمر بطمس الصور 0 والله أعلم ) ( المنهج
اليقين في بيان أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين –
ص 252)
هل
من الجن والشياطين ذكور وإناث ؟
في
الصحيحين من حديث أنس - رضي الله عنه –
قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك
من الخبث والخبائث " وفي رواية : " إذا أراد أن يدخل " متفق عليه .
قال
الإمام الخطابي : " الخبث بضم الباء جمع الخبيث ، والخبائث جمع الخبيثة ، قال
: يريد ذكران الشياطين وإناثهم " . ومن هذا يفهم أن منهم ذكوراً وإناثاً .
متى
تنتشر الشياطين ؟
في
الصحيحين عن جابر –
رضي الله عنه –
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا
صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب
واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله وخمروا
آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا وأطفئوا مصابيحكم " .
وفي
صحيح مسلم عن جابر مرفوعاً : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترسلوا فواشيكم
وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى
تذهب فحمة العشاء " .
والفواشي
: هو كل ما ينتشر من الدواب كالإبل والغنم .
هل
الجن لهم القدرة على حمل الأشياء ونقلها من مكان إلى آخر ؟
نعم
للجن القدرة على ذلك والدليل على هذا قوله تعالى : " ( قال يا أيها الملأ أيكم
يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من
مقامك وإني عليه لقوي أمين " ( النمل : 38-39 .
والشاهد
من هذه الآية أن عفريتاً من الجن قال : أنا آتيك به –
أي العرش –
وهذا يدل على أنهم لديهم القدرة على حمل الأشياء من مكان إلى آخر .
وأما
الدليل من السنة ما جاء في رواية مسلم من حديث أبي الدرداء –
رضي الله عنه –
حينما تعرض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " إن عدو الله إبليس جاء
بشهاب من نار ليجعله في وجهي " . والشاهد من هذا الحديث : أن الشيطان حمل هذا
الشهاب الذي من نار وأتى به .
هل
للجن سرعة فائقة في الانتقال من مكان إلى آخر ؟
نعم
للجن سرعة فائقة في الانتقال ، والدليل على ذلك ، ما رواه البخاري من حديث عبدالله
بن عباس رضي الله عنه قال : " انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه
عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت
الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم فقالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب
قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا
ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي
صلى اللهم عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما
سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين
رجعوا إلى قومهم وقالوا يا قومنا ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن
نشرك بربنا أحدا ) فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم( قل أوحي إلي أنه استمع
نفر من الجن ) وإنما أوحي إليه قول الجن " .
والشاهد
من هذا الحديث ، قولهم : اضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، وهذا يدل على أنهم لديهم القدرة
على طواف الأرض بسرعة فائقة وسهولة .
هل
الجن لهم القدرة على أن يسرقوا أموالنا ؟
الجن
بالفعل لهم القدرة على فعل ذلك ، ولقد مرت الأدلة فيما سبق التي أثبتت لنا أن الجن
لهم القدرة على حمل الأشياء ونقلها من مكان إلى آخر ، فما المانع أن يحمل الجن هذه
الأموال ويأخذها . ولذلك تلاحظ أن بعض الناس يشكون من ضياع بعض أموالهم وهم على يقين
أن المكان الذي وضعوا فيه المال لا يعرفه أحد ولا يقدر أن يصل إليه أحد من الناس .
ماذا
يفعل الجن بتلك الأموال ؟
الجن
يأخذ تلك الأموال لثلاثة أسباب :
الأول
: حتى يشك الشخص المسروق في أقرب الناس إليه ممن حوله خصوصاً ، أن الجن عادة إذا سرقوا
مالاً لا يسرقونه كله بل يأخذون بعضه ويتركون الآخر . وهذا من أخبث ما يكون .
فلو
أن الإنسان ترك مالاً في مكان ما في بيته وسُرق بعض هذا المال ، فمن المؤكد أنه سيشك
أول ما يشك في أقرب الناس إليه خصوصاً من الذين يدخلون منزله ؛ لأنه سيقول في نفسه
لو أن السارق غريب لأخذ المال كله .
الثاني
: أن الجن يأخذ هذا المال ويضعه تحت وسادة أحد الأشخاص في المنزل الذي سرق منه ، أو
يضعه في شيء من ممتلكاته وحاجاته الخاصة ؛ لأجل أن يساء الظن به بأنه هو الذي سرق ،
وبهذا يؤدي إلى فتنه عظيمة ، وهذا غاية ما يسعى إليه شياطين الجن .
الثالث
: أن الجن يأخذ هذا المال ويضعه تحت وسادة أحد الأشخاص ليس في نفس المنزل الذي سرق
منه وإنما في منزل آخر أو مكان آخر ؛ ليفتنه ليظن هذا الشخص أن الملائكة هي التي وضعت
له هذا المال فيظن في نفسه الصلاح ويظن الناس به ذلك ، وربما يكون الشخص على معصية
، بل ربما يكون لا يصلي .
وقد
تكون هناك أسباب أخرى غير ما ذكرت ، والله تعالى أعلم .
ماذا
نفعل حتى نتجنب سرقة الجن ؟
عليك
فقط أن تفعل ثلاثة أمور لتتجنب سرقة الجن لمالك وهي :
1- أن تتحرى أن يكون مالك من حلال حتى يحفظه الله لك
.
2- أن تسمي الله على مالك إذا وضعته في مكان .
3- ضع فوق مالك غطاء وأذكر اسم الله علين أو ضعه في شيء محكم مثل الخزينة
واذكر اسم الله وأنت تغلق بابها ، فإن الجن لا يرفع غطاء ولا يفتح باباً مغلقاً بشرط
أن يكون قد ذكر اسم الله عليه .
متى
يضحك الشيطان ؟
عن
أبي هريرة –
رضي الله عنه –
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب
فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان
فليرده ما استطاع فإذا قال ها ضحك منه الشيطان " . متفق عليه .
متى
يبكي الشيطان ؟
عن
أبي هريرة –
رضي الله عنه –
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ
فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ
بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ
النَّارُ " .
هل
للجن دواب تخصهم كما للإنس ؟
الجواب:
نعم وقد ورد في صحيح مسلم في حديث ليلة الجن والذي جاء فيه " وسألوه الزاد فقال
لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم
... الحديث " .
وهذا
يدل على أن للجن دواباً كما أن للإنس دواباً وقد تكون مركوبة كالإبل والخيل أو محلوبة
كالغنم والبقر، وقد تتمثل بصور دواب الإنس أو الوحش كالظباء والوعول والمركوبات ونحوها،
وكثيرا ما تختفي عن أبصار الإنس حيث إنها من جنس الجن الذين هم أجسام خفيفة يروننا
ولا نراهم، ودل الحديث أنهم كالإنس يأكلون ويشربون وكذا دوابهم تأكل وتشرب وتتغذى،
فمن غذائها بعر دواب الإنس وروثها تكون علفا لدواب الجن لذلك نهينا عن الاستنجاء بها،
والله أعلم .
هل
يستطع الجن اختطاف الإنس ؟
يمكن
ذلك فقد اشتهر أن سعد بن عبادة قتلته الجن لما بال في جحر فيه منزلهم فقالوا: نحن قتلنا
سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده، ووقع في خلافة عمر أن رجلا اختطفته
الجن وبقي أربع سنين ثم جاء وأخبر أن جنا من المشركين اختطفوه فبقي عندهم أسيرا فغزاهم
جن مسلمون فهزموهم وردوه إلى أهله. ذكر ذلك في منار السبيل وغيره، والله أعلم .
عداوة
الشيطان للإنسان :
قال
الله تعالى: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ( فاطر: 6.
ومن
عداوة الشيطان للإنسان :
أنه
يزين للإنسان أعماله من كفر وطغيان وفساد، قال الله تعالى: " ( تَاللَّهِ لَقَدْ
أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ
فَهُوَ وَلِيُّهُمْ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ( النحل: 63
وقال
تعالى: " ( وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ
فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ " (النمل: 24
وأنَّ
الشيطان يثير ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، ويصد عن سبيل الله. قال الله تعالى:
( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ
فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ ( المائدة: 91.
وأنَّ
الشيطان يوقع الشرور ويفسد ذات البين: قال الله تعالى : ( إنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء
53)
وأن
الشيطان يعد الإنسان بالفقر واليأس ويأمره بالفحشاء: قال الله تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ
بِالْفَحْشَاءِ) (البقرة: 268)
وأن
الشيطان يسعى في تحزين الإنسان: قال الله تعالى :
( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ
بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ)
(المجادلة: 10).
وأن
الشيطان يقذف في قلب الإنسان الظنون السيئة والأباطيل:
عن
الحسين بن علي رضي الله عنهما أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي
صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني،
وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله
عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على رِسلكما، إنها صفية بنت
حُييَّ"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال:" إن الشيطان يجري من ابن
آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً - أو قال شيئاً -" متفق عليه.
وأن
الشيطان يوسوس للإنسان :
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدَكم فيقول: من خلق كذا؟ حتى يقول:
من خلق ربَّك؟ فإذا بلغه فلتستعذ بالله ولينته".
والمعنى
فليترك هذا الخاطر الباطل، وليفكر بالأمر الحق، لئلا يسيطر عليه الشيطان بذلك الوسوسة
الفاسدة.
هـل
حقـاً دخـول الجـن في جسـد الإنسان ؟
نعم
وهناك دليل من الكتاب والسنة، على أن الجن يدخلون الإنس، فمن القرآن الكريم قوله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ
إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )
قال
ابن كثير رحمه الله لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه،
وتخبط الشيطان له.
ومن
السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".
وقال
الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة: إنهم- أي أهل السنة- يقولون: إن الجني يدخل
في بدن المصروع، واستدل بالآية السابقة. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قلت لأبي: إن
قوماً يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي، قال: يا بني، يكذبون هو ذا يتكلم على
لسانه. وقد جاءت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها الإمام أحمد والبيهقي،
أنه أتي بصبي مجنون فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اخرج عدو الله، أنا
رسول الله "، فبرأ الصبي .فأنت ترى أن في هذه المسألة دليلا من القرآن الكريم
ودليلين من السنة، وأنه قول أهل السنة والجماعة وقول أئمة السلف، والواقع يشهد به ومع
هذا لا ننكر أن يكون للجنون سبب آخر من توتر الأعصاب واختلال المخ وغير ذلك .
هل
الجن تخبر بعلوم أو أخبار غيبية أو غير غيبية للإنسان؟
العلوم
والأخبار على قسمين :القسم الأول: علوم تتعلق بالأمور المشهودة أو الأخبار عن الوقائع
الماضية، قد تلقي الجن هذه العلوم، أو علوم لم تبلغنا، وقد بلغت للجن على قرنائهم من
الكهان، ويجب أن لا نثق بكلامهم لأنه لا يوجد مقاييس عند الإنسان لمعرفة الكاذبين منهم
والصادقين.
القسم
الثاني: علوم غيبية :
- إمَّا أن تكون استأثر الله بعلمها، وهذا لا يمكن لنبي مرسل ولا
ملك مقرب ولا جني ولا إنسي معرفة شيء منها.
فإذا
أخبرت الشياطين وادعت أنه من علم الغيب مما استأثر الله به فإنه كذب وافتراء على الله.
قال
الله تعالى : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)
(النمل: 65) .
- وإمَّا أن تكون من المغيبات التي قضي أمرها في السماء وأصبحت معلومة
لبعض الملائكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تنزل في العنان
فتذكر الأمر الذي قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه إلى الكهان، فيكذبون
معها مائة كذبة من عند أنفسهم" رواه البخاري.
فالجن
قد تسترق السمع من الملائكة بعد نزولها إلى جو الأرض، وتخبر الكهان، ولكن لا نثق بأخبارهم
لأن دأبهم أن يكذبوا.
- أمَّا استراق الشياطين السمع من السماء فقد منعوا منه بالشهب عند
بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى إخباراً عن الجن ( وَأَنَّا لَمَسْنَا
السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا
نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا
رَصَدًا) (الجن: 8-9)
ولا
يجوز أن يتلقى المرء أيَّ خبر من الشياطين، وكل من يفعل ذلك فهو آثم عند الله عزَّ
وجلَّ. قال الله تعالى : )هَلْ أُنَبِّئُكُمْ
عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ
السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) (الشعراء: 221 –223(
تنبيه
: فليحذر المرء من المشعوذين والسحرة الذين يدعون أنهم يعرفون الغيب، وأنهم يتصلون
بالجن، وينسبون إلى الجن النفع والضرر، فهؤلاء عصاة لله وللرسول، ويريدون أن يلعبوا
بعقول السذج من الناس، وأن يستولوا على المغفلين ضعفاء الإيمان ليضلوهم، وليجعلوا من
الشعوذة والسحر والتعامل بالجن مهنة ومصلحة تدرُّ لهم الأموال الطائلة، فلا يجوز لأي
شخص أن يأتي الكهان ليطلع منهم على بعض الأمور، وقد ورد في الحديث "من أتى كاهناً
أو عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد".
وليعلم
كل امرئ أنه لا ضارَّ ولا نافع إلا الله سبحانه وتعالى، وأن الجن لا يضرون ولا ينفعون
إلا أن يشاء الله، ويأذن قال الله تعالى: )إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) (المجادلة: 10(
· أوجه عجزهم وقوتهم
:
الجن
مخلوقات لله عزوجل ، محتاجة إليه سبحانه، لا تستغني عنه ، فقيرة إليه كسائر المخلوقات.
وقد وهبهم الله بعض الخصائص منها: - اختفاؤهم عن نظر بني آدم .
- سرعة حركة بعضهم .
- قوة بعضهم .
و
في سورة النمل و سورة سبأ وص الكثير من تلك الخصائص التي ذكرتها وغيرها .
أما
أوجه ضعفهم فهي كثيرة منها :
- لا يعلمون الغيب كسائر المخلوقات .قال الله تعالى في كتابه ) فلما
خرّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين(
- ليس لهم سلطان على عباد الله الصالحين .
- خوفهم من بعض عباد الله الصالحين : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : (إن الشيطان ليخاف منك يا عمر(
- تسخيرهم لسليمان عليه السلام.
ملخص
البحث :
1- الجن حقيقة وليست خرافة
كما يدعى البعض .
2- الجن خلقوا للعبادة
.
3- الجن خلقوا من النار
.
4- الجن سميت بهذا الاسم
لأن فيهم الخفاء والستر .
5- الجن أنواع : منهم من
يطير في الهواء ومنهم الحيات ، ومنهم من يقيمون ويرتحلون .
6- كل إنسان له قرين من
الجن ملازم له طوال حياته .
7- الجن تموت
.
8- الجن يأكلون ويشربون
، ولكن كافر الجن يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه ، ويأكل مع الذي يأكل بشماله
.
9- الجن لديهم القدرة على
التشكل بأشكال شتى ، مثل الإنسان والكلاب والبهائم وغيرها .
10- كلمة الجن لفظ يطلق
على عموم الجن ، وإن كلمة الشيطان فلفظ يطلق على كفرة الجن .
11- إن أعظم فتنة يحبها
الشيطان التفريق بين ا ثنين ، وخاصة المرء وزوجه .
12- أن الجن مكلفون مثلنا
، وإن منهم المسلم والكافر .
13- أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أرسل إليهم .
14- أن الجن تحصى عليهم
أعمالهم فلهم أجر على صالح الأعمال ، ووزر على طالحها .
15- أن التائب منهم ينعم
بمغفرة الله تعالى .
16- أن الجن سيحشرون يوم
القيامة كالإنس تماماً .
17- أن كفار الجن سيعذبون
في النار .
18- إن الجن خلقوا من نار
، ولكنهم الآن ليسوا ناراً .
19- أن مؤمني الجن سيدخلون
الجنة على أرجح الأقوال .
20- أن الجن منهم ذكوراً
وإناثاً .
21- أن الجن يتناكحون ويتناسلون
.
22- أن الشياطين تنتشر
وتنشط في الليل .
23- أن الشياطين لا تفتح
باباً ولا ترفع غطاء ذكر اسم الله عليه .
24- أن الجن لهم القدرة
على حمل الأشياء الثقيلة ونقلها من مكان إلى آخر .
25- أن الجن لهم سرعة فائقة
في التنقل .
26- أن الشيطان يضحك من
المتثائب .
27- أن الشيطان يبكي إذا
سجد ابن آدم سجدة التلاوة .
28- أن الجن خلقوا قبل
الإنس .
29- أن الجن لا يرون على
خلقتهم التي خلقوا عليها .
30- أن للجن قدرة على سرقة
الأموال التي لم يذكر اسم الله عليها .
31- أن للجن القدرة على
خطف الإنسان .
32- أن للجن دواب تخصهم
كما للإنس دواب .
33- أن للجن القدرة على
دخول جسد الإنسان ، وأن ذلك لا يتم إلا بإذن الله .
والله
تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم